محل اليافاوي تاريخ وحضارة رسمت في بيت لحم بطريقة عفوية
في العادة يخرج الناس من بيوتهم صباح كل يوم في بيت لحم، محدقين في ارجاء المدينة التي تتسرب الشمس الى ازقتها، معلنة اشراقة يوم جديد، يستمتع الكثيرون بصوت العصافير وباصوات الباعة والتجار للترويج لبضاعتهم. وبين تلك المحلات في مدينة بيت لحم
هناك محل تفوح منه رائحة فلسطين وتراثها... رائحة تجذب الكثيرين حتى من اغترب وعاد لزيارة المدينة، محل يزوره الغني والفقير على حد سواء وتتلاشى فيه مستوياتهم المعيشية ليتواضعوا في لقمة عيش اجدادهم التي تعودوا عليها منذ 50 عاما. من يزور هذا المكان لن ينسى طعم ما يتناوله فيه من فلافل وحمص وفول... "محل افتيم اليافاوي للفلافل"، انه المحل الذي بات معروفا جدا في بيت لحم.
مدينة بيت لحم اكتسبت شهرة كبيرة حيث ولد فيها السيد المسيح عليه السلام، يزورها سنويا اعداد كبيرة من السياح الاجانب والعرب، ومنهم من يأتي اليها خصيصا ليزور كنيسة المهد ويأكل من "محل افتيم اليافاوي". العديد من السواح ايضا يستلذون بطعم الفلافل لاول مرة في حياتهم والذي يطهى في اشهر ساحات مدينة بيت لحم ساحة كنيسة المهد، ومنهم من يطلب الوصفة لصنعها.
خمسة أخوة، هم: افتيم، نعيم، بشارة، فاروق، وبطرس، كرسوا حياتهم منذ العام 1951 للعمل في محل واحد اسموه على اسم الاخ الاكبر افتيم صليبا سلامة، حيث كان والدهم في البداية يساعدهم ويساندهم حتى يصبحوا من اشهر من يصنع الفلافل والاكلات الشعبية في بيت لحم. وبعد ان جار عليهم الاحتلال وهجرهم من يافا الى بيت لحم في عام 1984حيث استقروا في محل صغير بمحاذاة مركز الشرطة في المدينة، وعند انسحاب الجيش الاسرائيلي من بيت لحم وتسليم المهام الامنية للسلطة الفلسطينية، قررت الاخيرة ومن خلال مشروع بيت لحم 2000 هدم مركز الشرطة القديم وبناء مركز جديد بات يعرف اليوم بمركز السلام، وبذلك خسر الاخوة الخمسة اول محل بنوه سويا في بيت لحم حيث كان ضمن المباني التي شملها قرار الهدم، لكنهم لم يستسلموا...
يقول احد الاخوة في محل افتيم: " قررنا ان نشتري محلا صغير مقابل المحل الاول لاننا لم نرغب بأن نخسر المكان الذي اشتهرنا فيه، لكنه كان محلا بلا نوافذ وفيه باب كبير واحد فقط يدخل منه الهواء. وبالرغم من انتقالنا للمكان الجديد الا ان الزبائن ما زالو يزوروننا نظرا لما نقدمه من نكهة مميزة للطعام الشعبي وخصوصا الفلافل، حتى ان الاعداد زادت فهناك اناس يزرورنا من شمال فلسطين". واضاف" نحن لا نعتمد كثيرا على السواح الاجانب بل ان اهل مدينة بيت لحم والمدن المجاورة لها يزورزننا كثيرا ويتردد علينا الكثير من الوجوه الجديدة يسألون عن فلافل افتيم اليافاوي".
وتابع " من بين الشخصيات التي كانت تزورنا شخصيات عالميا لدرجة انني نسيت الكثير منها لكثرتها ولصعوبتها، ومن الاسماء التي تذكرها ايضا عباس زكي، وماراتينوس.... فالرئيس الراحل ياسر عرفات عندما كان يزورنا في بيت لحم كل عيد ميلاد مجيد كان يطلب من الحراس ان يأكل من محل افتيم اليافاوي، وكان حرس الرئيس يأتون كل صباح خلال فترة مكوثه بالمدينة يطلبون الفلافل والحمص والفول للرئيس".
احمد الجنازرة من بيت فجار كان احد الزوار لمحل افتيم، قال:" عندما اقرر القدوم الى بيت لحم اخرج دون ان اتناول فطوري، واكون على يقين انني سأزور محل افتيم لانه يقدم اميز والذ الاكل الشعبي في بيت لحم، حتى انني اشتري الفلافل واخذه معي الى البيت واتناوله على العشاء مع عائلتي حيث انهم يفضلونه ايضا". وقال احد الجالسين في المحل " منذ حداثتي وانا ازور هذا المكان مع والدي وما زلت حتى الان استمتع بزيارته واشعر انني اعود لطفولتي عندما كان والدي يمسك بيدي ويأتي بي الى هنا".
ويقول الاخ الاصغر بينما كان يسكب خلطة الفلافل في الزيت:" نحن نعمل بجد على توعية الاجانب ايضا ممن يزرورننا في المحل بان هذا الاكل هو فلسطيني الاصل حيث ان اسرائيل تروج على انه يهودي الاصل وانه من تراث اسرائيل ". واضاف :" هناك صورة داخل المحل مرسوم فيها صورة "ساندويتش" من الفلافل وعلى هذا الرغيف علم فلسطين، وانا شاهدت نفس الصورة على شبكة الانترنت لكن بدل العلم الفلسطيني ووضع العلم الاسرائيلي كي تروج اسرائيل انها من جاءت بهذه الاكلة والشعبية الى فلسطين المحتلة، وفي الحقيقة انا اتأثر كثيرا عند رؤية جهدنا وتعبنا طوال السنين يروج بالنه اسرائيلية وانه من تراث اسرائيل".
اما الان فمحل افتيم اليافاوي سيبدو بعد شهور بحلة جديدة حيث انهم سيقوموا بتوسيع المحل باضافة محل مجاور له، كما سيقوموا باطفاء الصبغة العربية القديمة على المحل الجديد كي يشعر كل من يزوره باننا ما زلنا نحتفظ بهذه القيم ونحرص على استرجاع ما سرق منا من تراث، كي نبقى مرفوعي الراس بحبة فلافل فيها رائحة اجدادانا الذين سلبت منهم ارضهم وبيوتهم واستشهد ابناؤهم على هذه الارض الطاهرة ، وهجر معظم اهلها منها قسرا وذهبوا باحثين عن عالم جديد قد يعطيهم ربع ما سلب منهم.