المسيحية العربية قضية وطنية
ماهر أبو طير
المسيحيون العرب يتعرضون اليوم الى حملة شرسة ، لتفريغ الارض العربية من وجودهم ، ضمن مخطط كبير ، بدأ بالمسيحيين العرب في مصر ، ثم فلسطين ، والعراق ، ودول اخرى. المال العربي السائب على كل شيء ، مال منافق وكاذب ، ينفق العرب مالهم على كل شيء ، ويتركون المسيحية العربية مهددة ، تسرقهم السفارات الغربية ، واحدا تلو الاخر ، تمنحهم التأشيرات لتفريغ المنطقة من المسيحيين العرب ، ولترك المسلمين وحيدين في هذه المنطقة تحت مظلة اتهامهم بالارهاب والتطرف ، فيما المعادل الموضوعي والاجتماعي الذي يرد هذه التهمة عن العرب والمسلمين يتم سحب مخزونه تدريجيا.
ولنا في نفاق المال العربي ، والنظام السياسي العربي ، ادلة كثيرة ، حين يتم ترك اشوريي العراق المسيحيين ليهاجروا الى الغرب ، بدلا من الحفاظ عليهم بلعتبارهم مكونا اساسيا من مكونات الامة ، ويتم ترك المسيحيين في فلسطين ليرحلوا عائلة تلو الاخرى الى امريكا ، وامريكا اللاتينية ، حتى لم يبق في فلسطين سوى مائتي الف مسيحي فقط ، ولم يبق في القدس سوى عائلات مسيحية قليلة ، وتبلغ ذروة نفاق المال العربي ، حين لا ينفق هذا المال على المسيحيين ،
ولا على الاوقاف المسيحية في القدس ، التي تباع اليوم ، تحت ادعاء ان المهم هو الاوقاف الاسلامية ، رغم اننا نعرف ، ان التقصير حاصل بالاتجاهين ، وقد كان الاولى ان يتم الدفاع عن المسيحيين في فلسطين ، وعن وجودهم ، فهم شركاء وحلفاء ، لا شك فيهم ابدا ، وليسوا موضع اختبار اصلا.
يحزن المرء لما يجري في "الهلال الخصيب" من سلب للوجود المسيحي ، وهو سلب تدريجي ، والنفس العربية الضالة تعتقد ان هذه ليست معركتنا ، وهو ضلال ما بعده ضلال ، اوصلنا الى مرحلة بيع الاوقاف المسيحية في القدس ، واوصلنا الى ترك العرب والمسلمين وحيدين ، في ساحة تاريخية ، ليتم الاستفراد بنا ، رغم ان المسيحية العربية كنز ثقافي واجتماعي وذخر سياسي ، ولا ننسى ان كثيرا من الشخصيات المسيحية العربية التي تعيش في اوروبا وامريكا تصدت لحملات تشويه سمعة العرب والمسلمين بعد حادثة تفجير الابراج في نيويورك.
لا احد يعرف ، لماذا نمارس هذه الازدواجية ، فالمسيحية العربية ، قضية وطنية ، خصوصا ، في الكيانات التي وقع عليها البلاء ، في العراق وفلسطين ، وواجب العرب والمسلمين التلفت الى الشريك الطبيعي والتقليدي والتاريخي في هذه الارض ، بدلا من التفرج على الوجه المسيحي وهو يتعرض للسلب ، ونحن ندعي ان المعركة اكبر من هذا بكثير ، فأي معركة تسمح لنا ترك المسيحية العربية وحيدة في معركتها الدفاعية عن اوقاف القدس ، وهل يعتقد البعض ان التفريط مثلا بكنيسة القيامة ، سيجعل المسجد الاقصى سالما ، على الرغم من الجرافات الاسرائيلية تتمنى لو جرفت البلدة القديمة في القدس عن بكرة ابيها.
ثم كيف ندعي اننا امة واحدة ، ذات هوية واحدة وثقافة واحدة ، ونترك هؤلاء يهاجرون ، وهم في نهاية المطاف بشر ، اذا فرطنا بهم ، بحثوا عن حاضنة اخرى ، والغرب جاهز لتلقفهم ، وفي المحصلة ، يتم سلخ جزء اساس من هذه الامة ، وتغريبه ، وتفريغ الساحة ، وترحيل الدليل الاكبر على سماحة الاسلام والعرب والمسلمين ، وتركنا في اطار المتطرف والارهابي والقاتل والمجرم.
من حق المسيحية العربية ، ان تبقى في حيزها الاجتماعي والتاريخي والديني والسياسي ، ومن حقهم علينا ان نقف معهم ، ولا نتركهم اسارى لاقسام التأشيرات في السفارات الغربية ، ومن حقهم ايضا على المال العربي ، ان يدعم وجودهم وعائلاتهم ، في فلسطين والعراق ، تحديدا ، وان يتم تسخير المال العربي للحفاظ على الاوقاف المسيحية في القدس ، كذات حال الاوقاف الاسلامية ، فكل حجر يسقط من كنيسة القيامة على يد اسرائيل ، يقابله حجر يسقط في المسجد الاقصى ، في ظل الاستهداف الواحد والموحد ، ولم نتعلم من الاسلام الا السماحة ، وهي سماحة لا تكفيها الكلمات ، بل بحاجة الى موقف عربي حقيقي لنصرة المسيحيين العرب في الكيانات المبتلاة بالاحتلال.